responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 407
لِتَفَاوُتِ الْبَشَرِ فِي الْمَرَاتِبِ وَاطِّلَاعًا عَلَى نُمُوذَجٍ مِنْ غَايَاتِ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِرَادَتِهِ وَقُدْرَتِهِ بِمَا يُظْهِرُهُ الْبَشَرُ مِنْ مَبَالِغِ نَتَائِجِ الْعُقُولِ وَالْعُلُومِ وَالصَّنَائِعِ وَالْفَضَائِلِ وَالشَّرَائِعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. كَيْفَ وَمِنْ أَبْدَعِ ذَلِكَ أَنَّ تَرَكُّبَ الصِّفَتَيْنِ الذَّمِيمَتَيْنِ يَأْتِي بِصِفَاتِ الْفَضَائِلِ كَحُدُوثِ الشَّجَاعَةِ مِنْ بَيْنِ طَرَفَيِ التَّهَوُّرِ وَالْجُبْنِ. وَهَذَا إِجْمَالٌ فِي التَّذْكِيرِ بِأَنَّ عِلْمَ اللَّهِ تَعَالَى أَوْسَعُ مِمَّا عَلِمُوهُ فَهُمْ يُوقِنُونَ إِجْمَالًا أَنَّ لِذَلِكَ حِكْمَةً وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنْ لَا حَاجَةَ هُنَا لِتَقْدِيرِ وَمَا تَعْلَمُونَ بَعْدَ مَا لَا تَعْلَمُونَ لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ لِكُلِّ سَامِعٍ وَلِأَنَّ الْغَرَضَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِذِكْرِهِ وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ بِذِكْرِ عِلْمِهِ تَعَالَى بِمَا شَذَّ عَنْهُمْ. وَقَدْ كَانَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى هَذَا تَنْهِيَةً لِلْمُحَاوَرَةِ وَإِجْمَالًا لِلْحُجَّةِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ بِأَنَّ سِعَةَ عِلْمِ اللَّهِ تُحِيطُ بِمَا لَمْ يُحِطْ بِهِ عِلْمُهُمْ وَأَنَّهُ حِينَ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ آدَمَ خَلِيفَةً كَانَتْ إِرَادَتُهُ عَنْ عِلْمٍ بِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلْخِلَافَةِ، وَتَأْكِيدُ الْجُمْلَةِ بِأَنَّ لِتَنْزِيلِ الْمَلَائِكَةِ فِي مُرَاجَعَتِهِمْ وَغَفْلَتِهِمْ عَنِ الْحِكْمَةِ منزلَة المترددين.
[31]

[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 31]
وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (31)
وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها.
مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: قالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ [الْبَقَرَة: 30] عَطَفَ حِكَايَةَ الدَّلِيلِ التَّفْصِيلِيِّ عَلَى حِكَايَةِ الِاسْتِدْلَالِ الْإِجْمَالِيِّ الَّذِي اقْتَضَاهُ قَوْلُهُ: إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ فَإِنَّ تَعْلِيمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ وَإِظْهَارَ فَضِيلَتِهِ بِقَبُولِهِ لِهَذَا التَّعْلِيمِ دُونَ الْمَلَائِكَةِ جَعَلَهُ اللَّهُ حُجَّةً عَلَى قَوْلِهِ لَهُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ أَيْ مَا لَا تَعْلَمُونَ مِنْ جَدَارَةِ هَذَا الْمَخْلُوقِ بِالْخِلَافَةِ فِي الْأَرْضِ، وَعَطْفُ ذِكْرِ آدَمَ بَعْدَ ذِكْرِ مَقَالَةِ اللَّهِ لِلْمَلَائِكَةِ وَذِكْرِ مُحَاوَرَتِهِمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْخَلِيفَةَ هُوَ آدَمُ وَأَنَّ آدَمَ اسْمٌ لِذَلِكَ الْخَلِيفَةِ وَهَذَا الْأُسْلُوبُ من بديع الإجمالي وَالتَّفْصِيلِ وَالْإِيجَازِ كَمَا قَالَ النَّابِغَةُ:
فَقُلْتُ لَهُمْ لَا أَعَرِفَنَّ عَقَائِلًا ... رَعَابِيبَ مِنْ جَنْبَيْ أَرِيكٍ وَعَاقِلِ
الْأَبْيَاتِ. ثُمَّ قَالَ بَعْدَهَا:
وَقَدْ خِفْتُ حَتَّى مَا تَزِيدُ مَخَافَتِي ... عَلَى وَعِلٍ فِي ذِي الْمَطَارَةِ عَاقِلِ

مَخَافَةَ عَمْرٍو أَنْ تَكُونَ جِيَادُهُ ... يُقَدْنَ إِلَيْنَا بَيْنَ حَافٍ وَنَاعِلِ
فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ سَالِفًا مِنَ الْعَقَائِلِ الَّتِي بَيْنَ أُرِيكِ وَعَاقِلٍ وَمِنَ الْأَنْعَامِ الْمُغْتَنَمَةِ هُوَ مَا يتَوَقَّع من عزو عَمْرِو بْنِ الْحَرْثِ الْغَسَّانِيِّ دِيَارَ بَنِي عَوْفٍ مِنْ قَوْمِهِ.

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 407
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست